الحرب النفسية - Hesen Xalid
الحرب النفسية
تتعدد التسميات ما بين " الحرب الباردة " و" الحرب الخاصة " و" الحرب النفسية " و " حرب الأعصاب " و" الحرب البيضاء " و" الحرب القذرة " و "الحرب الناعمة " وغيرها من التسميات التي ظهرت وتبلورت قبل و أثناء وبعد الحرب العالمية الأولى والثانية وخاصة بين المعسكرين العالميين القطب الشرقي "الاشتراكي " والقطب الغربي " الرأسمالي " بحيث تحول الصراع إلى صراع الأساليب غير المباشرة في المجابهة والمواجهة و محاربة النفوذ والتمدد لكلا المعسكرين وأمتدّ إلى تسعينيات القرن الماضي " القرن العشرين " ولا تزال مستمرة وإن بأشكال وتسميات مختلفة تتفنن فيها " إدارة الحرب الخاصة " في غالبية الحكومات وأجهزة استخبارات الدول تجاه خصومها في " الداخل والخارج " ...
- وقد روي عن النبي ( ص ) قوله ” الحرب خدعة ”
ونظرا للظروف التي نمر بها نحن "الكرد" على امتداد جغرافية "المكان " تأتي أهمية وضرورة إتقان هذه النوعية من الحرب والمجابهة إن على صعيد المجابهات المباشرة أو على مستوى تحصين الجبهة الخلفية ضد أساليب الأعداء والخصوم ...
- وتهدف الحرب النفسية في المقام الأول على رفع الحالة المعنوية للمجتمع المحارب وحلفائه , وخفض حالة العدو المعنوية ومن يسانده ..
- لكن في الوقت الراهن اتسعت آفاق استخدام (الحرب النفسية ) لتطّبق في مجالات السياسة والاقتصاد والاجتماع والثقافة والرياضة ، ولم يعد استخدامها قاصراً على الحقل العسكري " التقليدي " وذلك بقصد الإقناع ، والتأثير في الحالة المعنوية للخصوم الداخل والخارج ...
- يمكن أن توجه الحرب النفسية على المستوى العالمي أو الدولي مثل إقناع الرأي العام أو تضليله ، ويكمن توجيهها لإشاعة الفرقة والانقسام بين صفوف الأمة ، وتمارس في الصراعات الداخلية أيضا وخاصة السلطة وخصومها ...
- وتعتمد الحرب " النفسية " في المقام الأول على المعرفة التامة والدراية بطبيعة خصائص المجتمع الذي ستوجه إليه " المعركة الناعمة " في حملة استهدافها لذلك تسعى إلى دراسة (عقائد وميول واتجاهات وأساليب التفكير لدا هذا المجتمع ) ليتسنى لهذه الجهات / دوائر الحرب الخاصة / التأثير أو الضرب على مواطن الضعف " الخلل " كما ويمكن أن تلجأ إلى جمع المعلومات والأخبار التي تحدث لتستغلها أو تحاول تغيرها وتوجيهها وتأويلها بشكل مغرض ، يخدم أغراضها وأهدافها " المخفية " ومعنى ذلك أن الحرب النفسية ليست قاصرة على وقت الحرب أو الطوارئ ، ولكنها سلاح يستخدم في الحرب والسلم معاً وهنا تكمن الخطورة فهي جزء أساسي من الحرب الشاملة ، ولذلك فهي تشن قبل الحرب وفي أثنائها وفي أعقابها ...
- ليس من الضروري أن تكون لتلك الحرب " النفسية – الخاصة " أيّ سند من الحقيقة والواقع فربما تختلق أبواق العدو " الطابور الخامس – الخلايا النائمة عملاء الاستخبارات ..." قصص وأساطير يحاول الخصم الاختفاء وراء الدين والصحافة أو الإذاعة أو الأحداث أو الأصدقاء أو الفكاهات ، وما إلى ذلك . ومعنى ذلك أن الحرب النفسية ليست مباشرة وليست وجها لوجه وتعمل جاهدة وبكل الوسائل على إذاعتها ونشرها بين أفراد وشرائح المجتمع المستهدف ، تعتمد في ذلك على " سطحية تفكير أبناءه " وعدم حصانتهم ضد تلك الأفكار والسموم ، فربما يذيع " العدو " عن نفسه أخباراً مفادها بأنه قوي ولا يقهر وبأنه يمتلك أسلحة فتاكة وسرية وإلى ما هنالك من أخبار تنشر الرعب في نفوس الخصم ...
- أهم الأدوات الحرب النفسية :
" الدعاية "
وتقوم على استخدام وسائل الإعلام الحديثة من نشر وترويج للأفكار والمعتقدات والأخبار التي تود نشرها وترويجها بغرض التأثير في نفسية الأفراد وخلق اتجاهات معينة لديهم .
والدعاية كأحد أساليب الحرب النفسية تأخذ أشكالاً متنوعة طبقا للأهداف وطبقا لنوع الأفراد والجماعات الموجهة إليها ، فالدعاية تستهدف الاقتناع بالنصر وإقناع العدو بهزيمته. وتشكيكه بمبادئه ومعتقداته الوطنية والروحية وبذر بذور الشك في نفوس أفراده في شرعية قضيتهم والإيمان بها.
- وتستهدف الدعاية في المقام الأول بث الفرقة وعدم الوئام بين صفوف الخصم ووحداته المقاتلة ، فهي تسعي للتفريق بين الخصم وحلفائه وبين الحكومة والشعب وبين القادة والجنود وبين الطوائف والأحزاب المختلفة وبين الأقلية والأغلبية وتقصد من وراء ذلك كله تفتيت الوحدة وتفريق الصفوف ليسهل لها النصر
" افتعال الأزمات وحبك المؤامرات " :
- عبارة عن استغلال حادث أو حوادث معنية قد تكون بسيطة ولكن يتم استغلالها بنجاح من اجل خلق أزمة تؤثر في نفسية العدو وتستفيد منها الدولة المستخدمة لهذا الأسلوب.
" إشاعة الرعب والفوضى"
وهذه وسيلة مهمة تستخدم بواسطة استغلال عاطفة الخوف لإرهاب الشعوب وإخضاعها من خلال استخدام الوسائل المختلفة لخلق حالة من الذعر والفوضى يسهل علي طريقها السيطرة والتغلب عليها .
ومن اشد العوامل إثارة للخوف انتظار هجوم العدو وتخمين نوعه والجهة التي سيأتي منها. فحينئذ يكون المنطق النفسي للجنود هو : “
- وقوع البلاء خير من انتظاره ” .
وحينئذ يسود الشك والقلق نفوسهم وتكثر التخيلات والتخمينات وتجد الشائعات لنفسها مرتعا خصبا بينهم . وكثيرا ما يدفع القلق المستبد بالجنود إلى الهجوم المتعجل ليخلصوا من الانتظار المخيف ، وقد خسر الأمريكيون كثيرا من الجنود بهذه الطريقة أثناء قتال الغابات مع اليابانيين في الشرق الأقصى
" الإشاعة "
تتعدد الأدوات التي تلجأ إليها دوائر الحرب الخاصة في حربها " الناعمة / الحقيقية " ضد من يستهدفونهم من الشعوب والحكومات ومن بين تلك الأدوات الأكثر تأثيراً والأسرع انتشاراً تتصدر الإشاعة هذه الأدوات فما هي " الإشاعة "وهل تختلف عن "الشائعة "
الإشاعة من أشاع ، وهي جملة من المعلومات أو الأفكار التي يتناقلها الناس دون أن تكون مستندة على مصدر موثوق به يشهد بصحة الخبر أو "الإشاعة " أو هو الترويج " الهادف " لخبر مختلق لا أساس له من الواقع " غير صحيح أو يحتمل جزءاً ضئيلاً من الحقيقة تكبر كما كرة الثلج "
أما الشائعة : فهي من الفعل " شاع " أيّ ظهر وانتشر ، وتنتشر بشكل تلقائي دون أن يدري ناقل الخبر كذب هذا الخبر ، عكس الإشاعة التي يتم نشرها بشكل قصدي أيّ بفعل فاعل ، على الأقل في مراحلها الإولى ويعي هذا الفاعل " الناقل " كذب الخبر ...
والإشاعة لها أنواع عديدة منها :
- الزاحفة " البطيئة " تروج ببطء وهمساً بسرية تامة وهذا التكتم و" الحرص " يجعل المتلقي يعتقد بصدقها
- الطائرة " السريعة " هي سريعة الانتشار والاختفاء .
- الهجومية " الإتهامية " وهي التي يطلقها الشخص بغرض الحط من قيمة ومعنويات الخصم .
- وهناك إشاعة الإسقاط وإشاعة التبرير وإشاعة الخوف وإشاعة الأمل وغيرها .
وتهدف الجهات التي تقوم بإطلاق الإشاعة والترويج لها في الكثير من الحالات والأحيان لتؤدي إلى خلق انعدام ثقة الناس في الهيئة الحاكمة " القيادة السياسية الحاكمة " وانعدام الثقة بقدرة القيادة " السياسية والعسكرية " وبالتالي إلى عدم إلتفاف الناس حول قيادته .
وفي زمن القلاقل و الحروب تكون فعلها قوياً فربما تقوم " إدارة الحرب الخاصة " والتي باتت مؤسسة قائمة بذاتها في هيكلية غالبية الجيوش وعبر طابورها الخامس " و " خلاياها النائمة " إلى إذاعة بيانات عسكرية عن وقوع معارك وإحراز انتصارات باهرة فيها ، فالحروب الحديثة باتت حروب الدعاية والإشاعة في المقام الأول ، فمشاهدة الطائرة الحربية عبر شاشات التلفاز يشاهدها الملايين وهي تقوم بقصف أهداف محددة بشكل " مباشر " هي حرب دعائية في المقام الأول ، بين إرادة مجتمعين متحاربين ، قبل أن تكون حرب اشتباك بين "جيشين خصمين " مما تثير هذه الأجواء الشعور بالهزيمة في نفوس من لم يتحصن ضد " أساليب الحرب النفسية " أو تخفّض من معنوياته وتثبط من همته فيتهافت ويتكالب على جمع " المؤن والمواد الغذائية وتكديسها في المنزل والمستودعات ، يمكن التصدي للإشاعة عن طريق تكذيبها ، أي عن طريق إعلان تكذيبها يمكن أن يقوم بتكذيب الإشاعة شخصية كبيرة لها مكانتها الاجتماعية أو السياسية أو العسكرية أو عبر مؤسسة مختصة رسمية.
هنا ينبغي التساؤل على من تقع مسؤولية مقاومة هذه الدعاية والإشاعات ؟ّ!
في الحقيقة هي مسؤولية كل فرد من أفراد المجتمع لكن للشباب " الهادف المثقف " الدور الطليعي في مواجهتها لأنهم دعامة ومستقبل ذاك المجتمع وهو " صاحب " المصلحة الحقيقية في حاضره ومستقبله .
ويمكن مجابهة آثار الحرب " النفسية " من خلال عدة إجراءات ينبغي الالتزام بها :
- إنشاء غرفة عمليات الدعاية المضادة لتكذيب دعاية وإشاعات الخصم
- عدم إذاعة الأخبار والمعلومات عن الظروف ( العسكرية والاقتصادية والاجتماعية ) للمجتمع ، لأن العدو يحاول جمعها والاستفادة منها فالاحتفاظ بأسرار " الوطن " فرض عين لا ينبغي تقديمها كهدية مجانية للمتربصين به .
- القيام بحملات توعية في تلك الظروف والاستناد الى تنمية الشعور الوطني وبناء الثقة بين أبناءه وحث الناس على المساهمة الايجابية في المعركة " كل ٌ من موقعه " فالعامل والموظف والفلاح والمثقف كل يستطيع المساهمة من موقعه وظرفه فأساليب المجابهة تتنوع ولا تقتصر على البندقية فقط
- إن أهم وسائل الحصانة من أثار الحرب الناعمة تلك هي تحصين البيت " الداخلي " وبناء علاقة تتسم بالشفافية والوضوح والعمل المؤسسي في إدارة الحكم وبث ثقافة " عصر حقوق الإنسان قبل أيّ اعتبار آخر ، واحترام حقوق الأقليات والفئات الأكثر احتياجاً للرعاية وفق متطلبات " العدالة الاجتماعية " ...
خلاصة القول : يميل الناس إلى قبول الدعاية التي تسبب لهم الشعور بالسعادة أكثر من تلك التي تسبب لهم الشعور بالقلق أو الضيق أو الحزن أو اليأس، فالدعاية الوردية التي تبعث على الأمل يقبلها الناس، كتلك الدعاية التي تشير إلى قرب انتهاء الحرب أو قرب موعد النصر النهائي، أما الدعاية التي تثير الخوف والرعب والهلع والفزع والقلق والضيق والتشاؤم ، فتسمى بالدعاية السوداء ، وينفر منها الجمهور المستهدف ...
كالقول : بأن الأعداء أسروا شاباً مقاتلاً وقتلوه ومزقوا جسده إرباً وبعثوا برأسه كهدية إلى زوجته ، مثل هذه الشائعات يفضل عدم استعمالها لأنها منفرة وتبعث على التقزز وظاهرة " داعش " اعتمدت على حرب دعائية في بث الرعب والخوف في صفوف الخصم وخاصة " الخصم الكردي " الذي استخدم داعش في مجابهته الدعاية الدينية " الكرد الملاحدة " والأخلاقية " المتاجرة والاحتماء بالنساء "
ينبغي النتسلح بمعرفة أهم المتطلبات التي ينبغي على العاملين في مجال الحرب النفسية أن يوفروها لديهم أو تُوفَر لهم :
فالحرب النفسية المؤثرة تتطلب أن يجمع الفرد العامل في هذا المجال عدة مهارات منها :
1- معرفة عملية بتنظيم عمل الحكومة وسياستها حتى يستطيع أن يفسر أغراض الحكومة وخططها تفسيراً سليماً يتطلب ذلك أن يكون قريبا أو منخرطا في مؤسسات صنع القرار أو التي تقدم النصح والأبحاث بهذا الصدد
2- معرفة جيدة بالإجراءات العسكرية والعمليات الحربية وتحركات الجيش والأجهزة الأمنية والاستخبارية ، وفهم كافٍ لفنون الحرب " البحرية – والجوية - والبرية" وذلك حتى يكيّف التصريحات الصادرة مع المواقف ومع عمليات الدعاية التي تخدم السياسات العامة وتوجهات الدولة في مواجهة الطرف أو الأطراف المعادية .
3- معرفة مهنية بوسائل الإعلام (نشر الكتب والمجلات والصحف والإذاعة والتليفزيون والشبكات الفضائية والتواصل الاجتماعي والإعلان بفروعه المختلفة.....) أو بمجال متصل بذلك اتصالا وثيقا كالتعليم البصري ومصادر الإشاعة وغاياتها الخفية والجمهور المستهدف والأدوات التنفيذية.
4 - فهم وثيق على المستوى المهني ومعرفة مبنية على دراسة أسس علم الشخصية والسلوك ومعلومات عن اللغة والتقاليد والدين والعادات وثقافة الشعوب وخاصة التي يتم استهدافها .
5- فهم واطّلاع كاف بخفايا علم النفس وعلم الاجتماع "علم النفس الاجتماعي " والتاريخ والعلوم السياسية والجغرافية وطبيعة السلطة التي من المفترض استهدافها من خلال مراكز القوى والاستقطاب والتناقضات بين مكوناتها السياسية ومحاولة استمالة بعضها ...
* الحرب النفسية تشمل العمليات العسكرية أحيانا وضغوطات اقتصادية "حصار اقتصادي" ...
إن الحرب النفسية لا تعرف حدود الزمان والمكان، فهي تمارس قبل الحرب لإعداد عقول الناس لها، وأثناء الحرب لرفع الحالة القتالية وزيادة الاعتقاد في عدالة القضية التي نحارب من أجلها، وبعد الحرب لتدعيم مكاسبها وترسيخها