أسباب التعثر الدراسي و سبل معالجته
يشكل التعثر الدراسي أحد مظاهر الخلل التي تعانيها المنظومة التربوية في بلادنا مما استدعى تشخيص الظاهرة للوقوف على أسبابها و من ثم تبنى استراتيجية هادفة للتصحيح و في هذا السياق نتساءل عن العوامل التي وراء حالات التعثر و المتمثلة في الفارق الكمي و النوعي بين الاهداف المتوخاة من الفعل التربوي و النتائج المحققة فعلا. وتتمثل تلك الأسباب و المكونات التالية :
أسباب اقتصادية :
لا يمكن الفصل بين الامكانيات الاقتصادية و المستوى الدراسي للمتعلمين ، ذلك أن سوء التغذية يضعف قدرة المتعلم على تركيز الانتباه ، كما أن عجز الاسرة على توفير الحاجيات الضرورية كملابس تضاهي ما يرتديه اقرانه و نقص الادوات الدراسية يؤثر في نفسية المتعلم و يضعف قدرته على الانخراط في الجماعة. ويشكل ضيق السكن وعدم مناسبته عاملا سلبيا يتجلى في عدم انجاز الواجبات المنزلية ، فتراه داخل القسم مسترخيا ويشكو من عياء عصبي باستمرار مما يدفعه إلى كثرة الغياب .
أسباب اجتماعية :
تشكل بنية الاسرة احد العوامل المؤثرة في التعلم ، ذلك ان غياب احد الابوين بالطلاق او الوفاة او الهجرة من شانه التأثير في قدرة المتعلم على مسايرة الدروس و ذلك نتيجة ضعف الرعاية. وإذا كان ارفاع المستوى الثقافي للأبوين يمكنهما من تتبع الانشطة اللاصفية التي يكلف بها التلاميذ . فان امية الاباء تشكل عائقا في وجه المتعلم ، و يعتبر الاسلوب السلطوي و القسوة احد العوامل التي تدفع المتعلم الى التستر عما يعترضه من مشاكل في الفصل و ذلك خوفا من العقاب .
أسباب مرتبطة بالتلميذ :
يلاحظ ان الفئة المستهدفة تمثل شخصيات مركبة يتدخل فيها الوجداني بالحركي و المعرفي مما يستدعي استحضار مكونات الشخصية خلال العملية التعليمية التعلمية ( مدخل الكفايات ) غير ان بعض المتعلمين الذين يعانون من مشاكل جسمية تتصل بالسمع و البصر يخفون معاناتهم تجنبا للإحراج امام اقرانهم بينما يعاني بعضهم من صعوبات لغوية لا تسمح لهم بإبراز قدراتهم ، و ذلك ان التفكير كما يراه “جون بياجي” يكون مصحوبا بالصوت و الكلام ، و الانسان لا يستطيع ان يفكر و فمه مغلوقا ، و اذا كنا نعتمد في عدة حالات على اللغة لتقويم مستوى التلاميذ فان بعضهم لا يعبر بشكل جيد بحكم ضعف مستواهم اللغوي. و عليه فان اغفال احد مكونات شخصية المتعلم ، يسهل في احباطه و نفوره من المدرسة.
و اذا كان تعامل الاستاذ مع فئة مراهقة يرى احمد اوزي ان المراهق الذي يرى جسمه ينموا نموا سريعا و مفاجئا بهم جميع اطرافه مما يسبب له حيرة و قلقا اذا لم يجد من يتفهم هذه التغيرات و يتقبلها من جهة ، ويساعده على فهم تلك التغيرات من جهة ثانية ومن شان هذه العناية مساعدة المراهق على تقبل ما يعرفه من تطورات فيزيولوجية و تضمن له توازنا نفسيا .
أسباب ترتبط بالمؤسسة :
تساهم عدة عوامل في اغناء الفضاء الثقافي للمؤسسة و زيادة قدرة المدرسة على الادماج الاجتماعي لروادها. غير ان غياب الضبط الاداري و سيادة الطرق التقليدية كالتلقين و الاملاء و التركيز على المحتويات على حساب الطرق النشيطة . الى جانب النقص الكبير للمعينات البيداغوجية من شانها اضعاف دور المدرة في تحفيز المتعلمين على الانخراط الايجابي في انشطة المؤسسة كالتطوع لانجاز انشطة رياضية و ثقافية و بيئية .
عدم التواصل بين الاسرة و المؤسسة التعليمية :
اذا كان قوام كل مؤسسة تعليمية هو المدرس و المتعلم و الاسرة ، ثالوث يجب ان يظل في تواصل و تعاون مستمرين من اجا تنمية افضل لقدرات المتعلمين ولكن يلاحظ ان دور بعض الاسر يتراجع بعد سن معينة حيث تلقي بمسؤولية التربية و التكوين على المدرسة ولا تفكر في زيارتها او محاولة مشاركتها في ايجاد حلول للمشاكل المدرسية كالتغيبات او توتر العلاقة بين الاستاذ و التلميذ حول مشكل النقطة و عدم انجاز الواجبات المنزلية. كما ان بعض المدرسين يقلقون من زيارة الاباء و الامهات ، وهذه الحالة تتعارض مع اهداف و دور المؤسسة التعليمية. و من شان هذه الوضعية تعميق أسباب التعثر الدراسي كالغياب المستمر و فقدان الثقة في المدرسة و الاسرة على حد سواء.
هكذا نلاحظ ان مجموعة من العوامل اسهمت في تدني مستوى بعض الفئات من المتعلمين ، و كان من انعكاسات هذه الحالة النفور من المدرسة و الغياب المتقطع و المستمر مما يدفع بالفئات العينة الى اساليب غير تربوية كالغش في الفروض و الامتحانات او اللجوء إلى إثارة الشغب داخل الفصل لإثارة الانتباه أو لخلق مبررات تقدم للأسرة على أنها السبب في عدم التفوق وتحميل المسؤولية للأستاذ و المدرسة.
و لتصحيح هذه الوضعية كان لابد من اعتماد مقاربة شمولية جسدتها دعامات الميثاق الوطني للتربية و التكوين و ذلك من خلال مراجعة البرامج و المناهج لوضع المتعلم في محور العملية التعليمية التعلمية و العمل على خلق مدرسة منفتحة على محيطها الثقافي و الاجتماعي و الاقتصادي وذلك لتعزيز التواصل بين المدرسة و مختلف الفاعلين ، و في نفس السياق جاء اطلاق المبادة الوطنية للتنمية البشرية من طرف صاحب الجلالة يوم 18- 05- 2005 قصد التصدي للعجز الاجتماعي و الاعتناء بالتعليم و الصحة و دوي الحاجات الخاصة.
و اذا كانت هذه الاجراأت تأخذ بعدا شموليا على المستوى الوطني فالمطلوب بالنسبة لكل مؤسسة اعداد مشاريع خاصة بها و تستحضر بيداغوجية الدعم بأشكاله المختلفة و لكن على أساس استراتيجية يسهم في وضعها المجالس التربوية على اساس يتماشى مع الصيرورة التعليمية قصد مراقبة اعمال المتعلمين و تصحيح حالات التعثر . غير أن بيداغوجية الدعم على اهميتها لا تستقيم إلا من خلال تفعيل دور المجالس المؤسسات لاغناء فضاء المؤسسة بأنشطة موازية تحفز المتعلم على الانخراط الايجابي في انشطتها الى جانب تعزيز التواصل مع اباء و اولياء التلاميذ للوقوف على أسباب التعثر ووضع الحلول المناسبة لها.