عبد الكريم جبراوي: المدخلات الإجرائية العشر لإصلاح المنظومة التربوية - الدعم الاجتماعي
لكل حدث وقائعه وتجلياته ، ولكل حدث تبعاته ونتائجه ، كما لكل مستجد تحمله الأخبار من هنا أو هناك نسيج من الحديث يتردد ، وعند هذا التردد يتولد صدى الخبر ، فيكون رجع الصدى نتيجة لخبر الحدث…
يعتبر ” الدعم الاجتماعي ” أحد مرتكزات تدعيم التمدرس ، ومدخلا ثالثا من المدخلات العشر لإصلاح المنظومة التربوية ..
فالإطعام المدرسي شكل على مدى السنوات أحد محفزات المدرسة العمومية بوسطيها الحضري والقروي قبل أن يتركز فقط في الأوساط القروية وشبه الحضرية ، إلا أنه في ما بعد الثمانينات بعد فضيحة الزيوت بمكناس وإحجام برنامج الأمم المتحدة عن الاستمرارية في تقديم مساعداتها التي كانت تشمل مسحوق الحليب والتمور والزيت والفواكه المجففة والشوكولاطة والجبن واللحم المجفف .. افتقد بعدها الإطعام المدرسي تلك القيمة الغذائية وتنوعها خصوصا بعد اللجوء الى الاقتصار على القطاني والجبن والسمك المعلب والمعجنات مع تعويض وجبتي الفطور والغذاء بوجبة واحدة ووحيدة تكاد لا تشبع ، أو تشكل رفضا وعدم تقبل من لدن الفئات المستفيدة مثلما كان يحدث مع عجين البطاطس ” la purée ” التي كان التلاميذ ينفضونها من على قطعة الخبز بمجرد تسلمها وابتعادهم عن بناية المطعم ، أو حينما اعتمد في بعض المناطق على الحساء الرمضاني كوجبة غذاء ، وحالات الارتجال وهدر المال العام لما تم اقتناء ” أفران ” قصد إعداد الخبز محليا دون أن تستغل في غالب الأحيان وتهمل تلك الأفران داخل فضاءات المطاعم المدرسية أو بين متلاشيات المؤسسات التعليمية ..
وبرنامج ” تيسير ” الذي يتقاضى بموجبه آباء وأولياء التلاميذ حسب حالات فقر أسرهم وعوزها للاحتفاظ بأبنائهم داخل المنظومة التعليمية وضمان متابعتهم لدراستهم مما شكل ” اتكالية ” غير مسبوقة جعلت الآباء وأولياء أمور التلاميذ أمام خيارين لا ثالث لهما : إما قبول ذلك المبلغ الزهيد أو الزج بأبنائهم في عالم التشغيل الذي يدر عليهم مدخولا يوميا يكاد يوازي ما يتقاضونه عن شهر كامل ..
وبرنامج ” مليون محفظة ” وتوزيع اللوازم المدرسية الذي بالرغم من محاسنه في دعم الأسر على تحمل أعباء الدخول المدرسي ونفقات التمدرس ، والذي ابتدأ في أوله شموليا قبل أن يتحول إلى استهداف عينات معينة وتبنيه مؤخرا من قبل السلطات الإقليمية والمحلية وحالات الاختلال في توفير الكتب المدرسية المستهدفة بعينها والمعتمدة وفق تقسيمات تتحكم فيها آليات وتوجهات منافسات التأليف والنشر وفرض ” الحجر ” على الأستاذ الممارس بالفصل الدراسي وعدم ترك أية فرصة له لتديد الاختيارات بناء على معرفته بحاجيات المتعلم في هذه المنطقة أو تلك ..
وبرنامج ” الزي المدرسي ” الذي ترك فيه الحبل على الغارب سواء على مستوى التناغم والمقاسات ، أو على مستوى الإلزامية لدرجة صار معها المتتبع للشأن التعليمي يلاحظ ألوان الطيف بأكملها داخل المؤسسة التعليمية الواحدة ، ثم ما تلى ذلك من منطلق ” كم حاجة قضيناها بتركها “…
وبرنامج ” النقل والتنقل المدرسي ” سواء باعتماد سيارات للنقل المدرسي مختلفة الأشكال والأحجام والحمولة أو بتوزيع دراجات هوائية لا تصمد لأكثر من موسم دراسي في أغلب الأحوال ‘ما بسبب إهمال صيانتها من طرف مستعمليها أو نتيجة للأعطاب التي تصيبها جراء التنقل بها عبر مسارات طرقية سيئة للغاية أو ” سلبها ” من طرف الأب أو الأخ الأكبر لحاجتهما إليها في تنقلهما من وإلى مقر شغلهما أو أحيانا ببيعها لحاجة الأسرة إلى ثمنها في غياب التزامات وإلزامات ملزمة للاحتفاظ بها واستغلالها في ما تم اقتناؤها من أجله ..
وبرنامج ” الإيواء ” سواء من خلال دور الطالب والطالبة أو من خلال الداخليات بمؤسسات التعليم الثانوي الإعدادي والتأهيلي أو المدارس المندمجة التي لم يتم استغلال داخلياتها في عدد من المناطق رغم ما صرف عليها من اعتمادات كبيرة والتي يمتنع فيها الآباء أيضا عن ترك صغارهم من المستويات الصغرى يبيتون فيها لعدة أسباب مرتبطة في الأساس بعقلياتهم وتقاليدهم ، يضاف إلى ذلك موضوع عدم الاستفادة من المنحة وما يقود إليه من مغادرة إجبارية للصف الدراسي لا سيما في صفوف الفتيات المنحدرات من أسر معوزة أو في وضعية هشاشة …
إن هذه البرامج هي فعلا برامج داعمة للتمدرس ، ولكن شتاتها وعدم تناسقها واختلالها يفضي في أحيان كثيرة إلى نتائج عكسية ، وتهدر من خلالها اعتمادات ضخمة دون أثر ، مما يقتضي إيجاد ميكانيزمات ترابطية ، ولغايته نقترح بعض المقترحات في انتظار طرح صيغة ” المدرسة المندمجة ” التي سنأتي على ذكرها في المدخل العاشر:
1) تدعيم الإطعام المدرسي من خلال وجبتين في اليوم ، وتحويل الاعتمادات المخصصة لبرنامج تيسير إلى مجال الإطعام المدرسي ، مع تنويع وتجويد الوجبات ضمن برنامج غذائي يضمن التغذية السليمة المتوازنة ..
2) تدعيم أسطول النقل المدرسي وإلغاء فكرة توزيع الدراجات الهوائية وحصر الجمعيات المسيرة للنقل المدرسي في جمعيات أمهات وآباء التلاميذ تفاديا لكل انفلات أو استغلال لهذا المرفق العمومي في المتاجرة ..
3) تغيير فكرة استهداف العالم القروي من فكرة ” المدارس الجماعاتية ” إلى فكرة ” المدارس المندمجة ”
4) تقليص أعداد الكتب المدرسية والمراجع وتعزيز الخزانة المدرسية بالكتب مع التوجه التدريجي نحو اعتماد التعلمات بالوسائل التكنولوجية الحديثة ..
يتبع ….
عبد الكريم جبراوي
Jabraoui2013@yahoo.com