التقويم التربوي بالمدرسة المغربية
اختلالات و بدائل
يقدم
التقويم التربوي بأنواعه الثلاثة {تشخيصي، مرحلي، إجمالي}نفسه
كنشاط يستهدف كشف التعثرات الحاصلة في تثبيت التعلمات لدى المتعلم عامة، بغية
تحديد وصفة علاج أو دعم ملائمين، و في الاخير يتم الجزم بنقطة
معينة، تحدد مصير ذلك المتعلم هل سينتقل ام يكرر أم يفصل أو فالشارع
ينتظر، طال أمد اعتماد هذا النمط التقويمي غير العادل منذ زمن، و نحن
الان نرى ماذا خلّف لنا، كم تلميذا خسرت المؤسسات التعليمية سنويا، نتيجة
تقويمه في مقتضيات جامدة لا تعنيه في شيء أو هي فوق
طاقة استيعابه، حواره في الفصل الدراسي مع مربيه، كحوار الأصم مع
الابكم، ربما كانت هناك محاولات لتجديد أو إعادة هيكلة الكتاب المدرسي
في العشرية الاخيرة حتى يتناسب و المعطيات الحياتية للتلميذ، لكنها لم تكن
كافية و ظل هذا التقويم مجرد وسيلة تصفية أو وسيلة تقرب أو
ابتزاز، وهذا يتنافى وقيم الاخلاق بالمؤسسة التعليمية، التي هي
قاعدة تربية و أساس بناء حقيقي لمواطن الغد المتشبع بمفهوم العدالة
و الحائز على ما يستحق وفق خصوصياته؛ و ما لامسنه من قدسية للتقويم التربوي
عبر بيداغوجيا الادماج، وتلك الطفرة النوعية في تغيير مفهوم التقويم النمطي
الجاف و الانتقال الى معايير متعددة و في تكاملها نجد معنى أن تكون كفء و أن تتخطى
وضعا مركبا تصادفه في حياتك اليومية، تعبئ من أجله عديد المعارف المشتتة و
المتباعدة، و الربط فيما بينها حتى يكتمل سلم تجاوز العائق\المأزق، إلا
أن كثرة اللغط على هذه البيداغوجيا و ما استقبلته من وابل قصف و
تعييب{تكوين، مستلزمات، اكتظاظ، أقسام
مشتركة...}، عجّل بإعدامها، مع أنها مثلت النموذج التربوي الشامل
والمتكامل لمفهوم الكفاية و كيفية دمجها في القيم الفكرية و التفاعلية\الوجدانية
للمتعلم، أُسدل عليها الستار و انتهى امرها
كغيرها من البيداغوجيات؛ إننا بحاجة الى عملية دمقرطة حقيقية للشأن
التربوي عامة، وكيفية تقويم المتعلم بشكل خاص، هنا نتساءل بعمق حول وجود
بدائل لهذا التقويم المعتمد حاليا، أو هل هنالك إمكانية تطعيمه حتى يرفع شعار
العدالة التربوية بين كافة المتعلمين ؟ طبعا، فإن كانت الحياة المدرسية
مفهوما نحاول ترسيخه بالمؤسسات التعليمية، كذلك الرغبة الملحة في تفعيل
أنشطتها المتنوعة وفق المقاربات الحداثية { التكنولوجيا
الحديثة، التشاركية، الانفتاح،...}، فلم إذن يرتكز
التقويم التربوي على ما هو معرفي و فصلي، عبر توزيع وريقات الفروض الكتابية
على المتعلمين من أجل تفريغ ما تم دخه من معارف أو استدعاءه للمحاورة المباشرة، ثم
الجزم بالمعدلات مع تسجيل حالات تنقيط مبهمة أو مزاجية تتنافى و المنطق، ثم تليها
حالات غش-فتخلق معها بوادر العنف و التعنيف المدرسي-و رغبة ملحة في الحصول على ذلك
المعدل أو تلك النقطة لغاية في نفس يعقوب، و كأننا نختزل كيانا كاملا في
رقم عددي إحصائي...،مع
وجود تجاهل في الضفة الاخرى للأنشطة الموازية التي
تبرز المعنى الحقيقي للكفاءة التربوية، التي تستهدف
الارتقاء بالمتعلم من الناحية العقلية و الجسمية عبر أنشطة تتناسب و
اهتماماته، التي كذلك تفسح المجال الأكبر أمامه كي يكشف مهاراته و
قدراته ومواهبه، بعيدا عن ضغط الفصل و ضجيجه، بعيدا عن نمطية الخطاب
الإلقائي و الركون في الطاولة بنفس الشكل و الوضع ساعات و ساعات...،طبيعي أن
تضمحل الرغبة في التعلم، وتتقلص نسبة المتفاعلين مع الانشطة التربوية؛ فالمطلوب
الان هو القطع مع سياسة الترقيم\التنقيط، و اعتماد تقويم عملي عبر أنشطة إدماج
ترتبط مضامينها بالواقع المتقدم، لا بمقتضيات زالت منذ أمد طويل، و
كأمثلة بسيطة لهذا التقويم الحديث، إن أردنا تقويم الجانب التواصلي اللغوي
للمتعلم، فلتكن شبكة التقييم منقسمة الى محاور متعددة من قدرات و مهارات و
أساليب...تستكشف مدى تمكن المتعلم من الكفايات النوعية المرغوب في تحقيقها، و
موضوع التقويم بدل أن يكون ميتا\جامدا على ورقة يجب أن يكون مسرحية أو نشاطا
حواريا تفاعليا، أو قضية تشغل الرأي العام، أي المطلوب هو إبراز الجانب
الوجداني و تحريضه على التفاعل...،الامر عينه في الجانب الحسابي فينبغي تجاوز
تلك صيغ الامر{أحسب،حدد...}،فما حاجة هذا المتعلم لحساب قيمة ما لا يعنيه حلها في
شيء، فالمطلوب كذلك هو تقويم على أساس شبكة متعددة و جد دقيقة، ثم وضع هذا المتعلم
أمام إشكالية حقيقية ملموسة، لا تتطلب فقط بضع معادلات أو علاقات، و إنما الجوانب
الخفية في كينونته{أخلاقيات، تحمل المسؤولية، احترام الحق،...}؛لذا فقضية المدرسة
المغربية و إشكالية الثقة المفقودة فيها،يمكن استردادها عبر مراحل
و محاور،و يشكل التقويم الحالي عقبة حقيقية ينبغي تجاوزها في القريب العاجل
تفاديا لهدر الطاقات و فرار المواهب،ووضع حد للنزيف المتزايد.
بقلم عمر صديق.
إطار إداري و فاعل تربوي.