ذ احيا محمد
استاذ ب م.م سيدي يحيى و يوسف
مديرية ميدلت
مربي سابق بجمعيات وطنية مهتمة بالطفولة
فاعل جمعوي
العنف ضد المدرسين و المدرسات ، كيف سنتدخل ؟
كل متتبع للشأن التربوي المغربي ، لابد أن
يلاحظ تفشي العنف المدرسي خاصة من طرف المتعلمين ضد المدرسين و المدرسات . و من
هنا نسترجع الدور الريادي الذي كان يقوم به المدرس و المدرسة في الماضي و القيمة
الرمزية التي كان يحظى بها خاصة في الألفية السابقة و لكن مع الأسف بدأت تتراجع
صورته مع بداية الألفية الثانية . اذن لماذا تدهورت هذه القيمة التي اكتسبها من
دوره و من التاريخ ؟ و ماهي اسباب ظاهرة العنف ضد المدرس و المدرسة ؟ و ماهي مظاهر
هذا العنف ؟ و ماهي الحلول الممكنة لإصلاح ما يمكن اصلاحه ، وإرجاع بريق الأمل
لدوره و لدور المدرسة المغربية في التربية و التعليم و التكوين ؟
لمقاربة هذا الموضوع ،لابد ان نضع تعريفا
للعنف المدرسي و للعنف ضد المدرسين و المدرسات .
العنف المدرسي هو كل عنف يمارس داخل
المدرسة او بمحيطها اما العنف ضد المدرس و
المدرسة فهو واضح من العبارة الدالة عليه و غالبا ما يكون ابطاله هم المتعلمون و
المتعلمات. للعنف تجليات متعددة منها العنف الجسدي ، العنف اللفظي و التحرش الجنسي
. و كلها تمارس ضد نساء و رجال التربية و التعليم و التكوين في المدرسة المغربية.
و ما نقرأه و نسمعه و نراه على منابر الصحافة المكتوبة و الالكترونية و السمعية و
البصرية ، يؤكد هذه الحقيقة المرة . فكل يوم نسمع او نقرأ ان استاذة او استاذا
تعرض للضرب او السب او التحرش سواء داخل المؤسسات التعليمية او خارجها . و ما يهمنا
هنا هو العنف الممارس من طرف المتعلمين و المتعلمات . فالممارسة الصفية اصبحت غير
مؤمنة للمدرس و المدرسة اللذان يمكنهما ان يتعرضا فيها لكل انواع العنف ، و
الحراسة في الامتحانات الاشهادية يمكن ان تشكل خطرا و تهديدا لسلامة و حياة المدرس
و المدرسة سواء داخل المؤسسة او خارجها . ان توتر العلاقة بين هيأة التدريس و
المتعلمين و المتعلمات لابد ان تكون له اسباب و مسببات . ففي الوقت الذي كانت فيه
المدرسة هي التي تؤثر على المجتمع ، أصبح المجتمع هو الذي يؤثر سلبا في المدرسة .
إن مجموعة من الظواهر الاجتماعية السلبية التي غزت مجتمعنا بعد تراجع دور الاسرة
لاسباب سوسيوـ اقتصادية و بعد ضعف المقاومة الثقافية و الدينية لمجتمعنا امام
الغزوات الثقافية الاجنبية التي يتم تصديرها و استورادها احيانا عبر قنوات الاتصال
و التواصل الحديثة و عبر المناهج التربوية نفسها و احيانا عن طريق المربين و
المربيات اللذين لا يعكسون القدوة الحسنة و كذلك ضعف العرض التربوي و الترفيهي و
التثقيفي و التكويني في مؤسساتنا التربوية . كل هذه المؤشرات تغيب كذلك في
الفضاءات الخارجية للمؤسسة التربوية ،مما يجعل اطفالنا يبحثون عن بدائل من اجل
تفجير مكبوتات متراكمة . فعوض ان يفجروها في الابداع و الخلق ،اصبحوا يصرفونها
بسلوكات سيئة ضد الأسر و المدرسة و المجتمع ككل .فعن طريق المخدرات و كل المنبهات
المنتشرة و المستهلكة بكل حرية و سهولة ، استطاع الطفل اكتساب الشجاعة الكاملة لكي
يهين اسرته و اساتذته و كل من يحوم في فلكه .فكل طفل لم يعش كل مراحل النمو في
طفولته الصغيرة بسلام ، سيصبح طفلا مراهقا غير سليم نفسيا و اجتماعيا .
من اجل معالجة و محاربة هذه الظاهرة
الفتاكة ، قامت الوزارة الوصية بجموعة من التدابير و الاجراءات اهمها تحسيسية و
توعوية و التي يبقى مفعولها محدودا في ظل التأثيرات و الاغراءات الأخرى . و قامت
ايضا بإحداث مراكز لرصد الظاهرة و للاستماع و الانصات و لا ندري ما اعطتنا من
نتائج و قرارات . و قامت كذلك بإصدار مذكرات من اجل تفعيل الحياة المدرسية و لكن
مع الأسف مؤشرات نجاح مفعولها تبقى ضعيفة لعدة اسباب نذكر منها ، ضعف او غياب
الاعتمادات المالية الممنوحة للمؤسسات التعليمية لانجاز الانشطة و البرامج و نقص
في تنظيم دورات تكوينية لمنشطي الاندية
التربوية و التعاونيات المدرسية و غياب
فضاءات للأنشطة في جل المؤسسات خاصة في المحيط الحضري و العالم القروي . ويبقى
تنزيل الامركزية ثقيلا . و نلحظ كذلك ان
اغلب جمعيات امهات و اباء و اولياء المتعلمين و المتعلمات تركز في برامجها على بعض
الاصلاحات المادية لمرافق المؤسسات التعليمية . اما على مستوى السياسات العامة ،فيمكن
ان نسجل غياب الالتقائية في برامج كل المتدخلين .
من اجل محاربة ظاهرة العنف ، نقترح
مقاربتين الاولى وقائية و الثانية علاجية .
على المستوى الوقائي ،لابد من نهج سياسة
الالتقائية بين كل البرامج المخصصة للطفل من خلال التنسيق بين كل المتدخلين من
وزارة التربية الوطنية ، الداخلية ، الثقافة ، الرياضة و الشباب ، الاعلام ،
التنمية الاجتماعية و التضامن ، العدل و حقوق الانسان . فكل البرامج و السياسات
يجب ان تصب في واد الطفل و الاسرة بتواز مع منظومة التربية و التكوين ويجب ان تهيئ
اطفالا للمدرسة ، و المدرسة تهيئ لنا شبابا و رجالا للمجتمع . يجب دعم المجتمع
المدني في شراكات نموذجية مبنية على تعاقد حقيقي يهم اعداد الناشئة على المستوى
النفسي و الثقافي و الاجتماعي .يجب مراجعة المناهج التربوية بصفة دورية اعتمادا
على تقييم و تقويم حقيقيين ينبثقان من المؤسسة التعليمية مع الاخذ بعين الاعتبار
مجموعة من النقط خاصة العلاقة بين الجنسين و التنوع الثقافي و اللغوي و الفروقات
بين المناطق في اطار توحيد البرامج و المقررات .و لنا ان نقترح مراجعة بعض
النظريات التي تجعل المتعلم مركز الاهتمام و تعويضها بكون الاستاذ و المتعلم هما
معا مركز العملية التعليمية التعلمية و التربوية من اجل المجتمع .
تبقى المقاربة الحقوقية مدخلا اساسيا
للوقاية ، من خلال ربط الحقوق بالواجبات و تغيير اسماء بعض الهيئات و المؤسسات
التي تحمل حقوق الطفل الى اسم # واجبات و حقوق الطفل # مثلا المرصد الوطني لواجبات
و حقوق الطفل .و لا يجب ان نغفل تفاعلنا مع المواثيق الدولية لحقوق الانسان ، من
خلال تحفظنا على بعض البنود التي تتنافى مع المرجعيات الدينية و الثقافية للمغاربة
.
اما على مستوى العلاج ، فمن الاجدر حماية
المؤسسات التعليمية من كل من يشوش على الرسالة التربوية و التعليمية و التكوينية
لمؤسساتنا ، من خلال مقاربة امنية حازمة و سليمة .فيجب تطهير محيط المؤسسات
التعليمية ، ليس عبر حملات دورية و انما عبرخلق مراكز للشرطة او الدرك الملكي في
جوارها .يجب تطهير مؤسساتنا من كل المنحرفين من المتعلمات و المتعلمين مع ضمان
مستقبلهم من خلال مراجعة و اصلاح ادوار مؤسسات الرعاية الاجتماعية خاصة الاصلاحات
لتحقيق استكمال التربية و التكوين للمستفيدين
و المستفيدات من خدماتها لا ان تخرج المنحرفين اجتماعيا و اطفال في وضعية الشارع .
و يجب تفعيل توصيات المجلس الوطني لحقوق الانسان الخاص بهذه المؤسسات .
في الاخير ، لابد ان يسترجع المدرس و
المدرسة مكانتهما في المجتمع من خلال تحمل الدولة مسؤوليتها في الرفع من مستواهما
و الرفع من قيمتهما من خلال الترويج له عبر وسائلها الاعلامية و التواصلية و جعله
مركز كل المقاربات التربوية و التنموية و الفاعل الاساسي داخل المنظومة التربوية و
التعليمية و التكوينية ، لان المدرسة هي المستقبل . و المدرسة بدون مدرس و مدرسة
ليست الا سوقا تنتصر فيه كل المضاربات .
ان ما تعيشه المدرسة المغربية اليوم ، ينذر
بكارثة اخلاقية و ثورة على القيم الوطنية ، لا يمكن السكوت عنه و يجب اتخاذ اجراءات
فورية و حازمة و تنفيذ البرامج الجاهزة كالرؤية الاستراتيجية 2015ـ2030 و التركيز
على الالتقائية في البرامج و السياسات العامة للدولة .